الخميس، ٣٠ أغسطس ٢٠٠٧

التكعيبة
تعرف أحمد ليبتون؟ تعرف أشرف ليبتون؟ تعرف أسامة؟ تعرف شارع النبراوي، المتفرع من شارع شامبليون، المتفرع من عبد الخالق ثروت، المتفرع من شارع رمسيس؟ تعرف رمسيس؟ تعرف الإسعاف؟ تعرف تدخل من جنب نقابة المحامين، وتخلي نقابة الصحفيين على شمالك وتعدي الطريق وتدخل في أول يمين؟
لو ما تعرفش أديك عرفت.
بمجرد دخولك إلى شارع شامبليون، تبقى دخلت سرة وسط البلد، خليك ماشي، هتعدي على كشري أبو طارق، مالكش دعوة بيه، خليك ماشي لحد ما تلاقي قدام شوية على اليمين قصر قديم مهجور، ادخل من الشارع اللي قبله، هتلاقي شوية ناس قاعدين على كراسي بلاستيك قديمة، ناس شعرها طويل، وهدومها مبهدلة، ناس ببدل كاملة، وحاطين على شهرهم بيريل كريم، صنايعية وبياعين، ولاد وبنات، ستات ورجالة، مصريين وأجانب وعرب، حياة تانية خالص.
اقعد استريح، الجو حر ورطوبة أنا عارف، خمس دقايق والدنيا تطري، عجبك المكان؟ لأ؟ عجبك الجو؟ مش قوي، تبقى مش فنان، يا أستاذ ركِّز لو سمحت، المكان اللي انت قاعد فيه دلوقتي ده، وعمال تتلفت حواليك وعامل نفسك من مرتادي شيراتون هليوبوليس من أهم الأماكن التاريخية في مصر (باعتبار ما سيكون)، التكعيبة مرحلة مهمة جدا في حياة أي مبدع جديد، ممكن تستمر علاقته بيها أو ما تستمرش، مش دا المهم، المهم ان كله لازم يعدي من هنا، صحفيين، ومخرجين، وكتاب، وشعرا، ورسامين، وممثلين، وفنانين من كل الأنواع، والأجناس والملل.
مالك عمال تبص حواليك كده ليه؟ همَّ دول؟ آه همَّ دول، ماتستعجلش، كلها كام سنة وكتير من الناس دول مش هتعرف تتكلم معاهم، سنين قليلة مش كتير، والصف اللي قاعد على الكراسي المعنوية في كل المجالات الفنية والثقافية هيقوم، والناس اللي قدامك دول هيقعدوا، وحتى لو القدام ما قاموش الناس الجداد دول هيشيلوا الكراسي البلاستيك بتاعتهم وهيروحوا يقولولهم اتاخروا شوية، وسعوا كده، ساعتها الجمهور هيلاقي ناس قديمة عليها تراب قاعدة على كراسي جلد فخمة، ومالهمش دعوة بيهم، وناس قاعدة على كراسي بلاستيك وعندهم حاجات حقيقية عاوزين يقولوها، ساعتها أكيد الكراسي البلاستيك هتنتصر
إلحق خد لك كرسي

الخميس، ٢٣ أغسطس ٢٠٠٧

اطفي النور
الخروج من الأبواب الضيقة شيء رائع.
الكل يحلم بالخروج من الأبواب الضيقة، وهو حلم مشروع وجميل، وليس على أحد جناح إذا قرر الخروج منها.
المشكلة أن هذه الخنقة تحولت إلى ظاهرة، كل ما ترى واحدا مكتئبا وتسأله:
مالك؟
يرد عليك وقد قلب ملامح وجهه مثل قطعة قماش قديمة في مسمط:
نفسي يا أخي أخرج من الأبواب الضيقة.
هذه الحالة العامة جعلت مطربا كبيرا مثل "محمد منير" يغني أغنيته الشهيرة: "اخرج م البيبان الحر الضيقة".
كل ما أسمع هذه الأغنية أشعر أنني أريد أن أتمشى على النيل أمام "رمسيس هيلتون" بمفردي مستمتعا للغاية بزهقي، وليس لدي أي براح نفسي أو عاطفي لأي شيء ولا حتى للنظر إلى بنت ألمانية طويلة وجذابة ترتدي ما يمكن أن نطلق عليه بنوع من المبالغة "لباس بحر".
حالة الأبواب الضيقة هذه تنتابني كثيرا خصوصا في الصيف، لكن فكرة الخروج منها لا تكون متاحة دائما، فالحياة لا تمنح الواحد منا رفاهية السير على الكورنيش 4 أو 5 مرات أسبوعيا، خصوصا أن البنت الألمانية التي لا تفرق بين شاطئ نهر وشاطئ بحر لن تكون موجودة دائما.
لكن يظل حل سحري للمشكلة لم يتوصل إليه "محمد منير"، وأقترح عليه أن يضعه في حسبانه في ألبوماته القادمة.
أول ما تنتابك حالة الأبواب الضيقة، أغلق عليك الباب من الداخل بالمفتاح جيدا (6 سَكَّات لو أمكن)، أغلق هاتفك المحمول، انزع فيشة تليفون البيت، أطفئ نور الشقة كله، اخلع ملابسك بالكامل، اصعد على السرير، تمدد على ظهرك، افرد ذراعيك على آخرهما، أفسح قليلا بين قدميك، بحيث يبدو شكلك النهائي كمصلوب ليست لديه خبرة كافية، أغمض عينيك بقوة، استرخ، لا تفكر في أي شيء، وخصوصا البنت الألمانية (من أدراك أنها ألمانية أصلا)، اصرخ بأعلى صوتك:
يعني إيه أصلا البيبان الضيقة؟ المكان هو اللي بيبقى واسع أو ضيق، لكن البيبان مجرد ممر.. ما فيش حاجة اسمها البيبان الضيقة.
خلاص؟
يمكنك أن تضيء النور.

الجمعة، ١٧ أغسطس ٢٠٠٧

من وقوف متكرر بمناسبة ترشيحها للبوكر


لا تذكر من أيام شبرا الخيمة سوى القطار، والمؤسسة، وصوت مصانع النسيج في مرورك اليومي إلى المدرسة، والبنت منى أحمد التي ظللت تحبها حتى نهاية الخامس الابتدائي، تتبادلان النظر والابتسام طوال الحصص، والتي خاصمتك لأنك وشيت بها عند مدرس الرسم؛ لأنها لم تحضر ألوانها، ولم تقف لتضرب مع كل من لم يحضر ألوانه، فظلت تبكي طوال اليوم عندما ضاعف لها الضرب (8 عصيان)، وسامح كل الباقين وأنت منهم.
تذكر أيضا سعيد مغرفة، والذي أسماه الأستاذ سليمان الورداني بذلك لأن له أذنا عادية، وأذنا مفلطحة تشبه المغرفة.
كان يسكن في الشرقاوية على الجانب الآخر من الطريق السريع، بعد كشك الشرطة العسكرية، تطل شقته على مصنع ياسين للزجاج.
في هذه الفترة كان بيت جدتك في روض الفرج، ترسلك لتشتري لها أكوابًا للشاي، فتقول:
((قل له عايز من بتوع مصنع ياسين.. إوعى يضحك عليك ويديك من الكوبايات اللي معمولة تحت السلم)).
قال لك:
((قابلني في المؤسسة بعد العصر قصاد كشري أبو سنة.. ونروح عندنا نذاكر سوا)).
شقته ضيقة جدا، ورثة، وغير مرتبة، فشعرت به مختلفًا تمامًا عن ذلك الذي يجاورك في الدكة، والذي تتكلم معه كل يوم عن منى أحمد.
خرجت أمه عليكما وكانت نائمة بشعر منكوش وقميص نوم فاضح، ارتبكت وقلت له:
((تعال نقعد في البلكونة)).
تركتما المذاكرة، وأحضر السلم والثعبان فلعبتما، كان المبني المواجه ضخما وقريبا إلى حد ما، قال عندما لاحظ كثرة التفاتك إليه:
((ده مصنع ياسين)).
لم تصدق أن تراه هكذا مرة واحدة:
((بتاع الكوبايات؟!)).
((آه بتاع الكوبايات.. والزهريات.. وطفايات السجاير.. والشفاشق الإزاز.. أنا أبويا بيشتغل فيه)).
لم تصدق، وظلت تكذبه حتى أحضر لك أمه، وقد ربطت رأسها، وارتدت جلبابًا مكرمشًا وممزقًا من تحت الإبط، أشارت إلى مصنع ياسين فبان شعر كثيف، وأكدت أن أبا سعيد يعمل فيه.
عادت صورة سعيد تكبر في نظرك، مع أنك كنت أشطر منه في المذاكرة، وشقتكم واسعة، ومرتبة، ونظيفة، بالإضافة إلى أنك غلبته أربعة أدوار سلم وثعبان.

الجمعة، ١٠ أغسطس ٢٠٠٧

رسالة إلى يوسف إدريس بمناسبة ذكرى رحيله


كيف حالك يا عم يوسف يا إدريس.
أنا متأكد أنك تعرفني بشكل جيد، وأعرف أنك تتابع الكتابة الجديدة أكثر من كُتَّابها لكنك لا تقول، أنا أيضا أعرفك وأتابع إصداراتك أولا بأول، أعجبتني أرخص ليالي، وآخر الدنيا، والحرام، ولم تعجبني العيب بنفس الدرجة، أرى أنه كان يجب عليك أن تجلس عليها مرة أخرى.
أريد أن نلعب معا لعبة ظريفة، نتبادل الأدوار تصبح أنت كاتبا شابا، وأصبح أنا كاتبا كبيرا، أعرف أن كلمة كاتب شاب هذه ستضايقك، عادي، تجاوز عن هذا وأكمل اللعبة، أصبح أنا ثريا ومشهورا ونجما محاطا بالمعجبات، وتصبح أنت لتفتح مدونتك وعندما تجد أربعة تعليقات تحمد الله على أن رزقك جمهورا وفيرا بهذه الغزارة، تركب الأتوبيس العام، وتذهب إلى عمل ينتهك معظم يومك فلا تجد وقتا لقراءة أو كتابة وحين تشعر بالضيق من الحياة تذهب لتجلس على "التكعيبة" تصادق أسامة وأحمد ليبتون، ويتطفل عليك أنصاف الموهوبين فيجلسون معك وينصرفون دون أن يدفعوا الحساب، ولا تجد مفرا من ضيقك إلا بأن تترك أصحابك في نصف حديثهم وتنصرف.
بين وقت وآخر يأتي لك إيميل من أي موقع سخيف على الإنترنت يطلب منك قصة قصيرة لنشرها، متعاملا معك بألفاظ رسمية تؤكد أنك كاتب مهم وكبير (تذكر أنك الآن كاتب شاب) تسعدك هذه اللهجة في الخطاب فترسل لهم القصة دون توقع أي مكافأة نشر سوى الكلمة الطيبة.
أحيانا تجلس وتفكر في مشروعك الروائي الضخم، وأحيانا تقرر التوقف عن الكتابة، تفكر في هذا بكل جدية، وتراجع ما منحته الكتابة لك وما أخذته منك، فتجد نفسك بحسابات تجارية بسيطة خاسرا فتقرر مقاطعة كل أصدقائك من المبدعين، وتنوي شراء خط موبايل جديد حتى تغير الرقم، ستفضله "اتصالات" حتى تتمتع بمزايا الشركة الجديدة، وتقسم في نفسك إنك لن تنزل وسط البلد مرة أخرى، تتأمل حياتك من دون الكتابة فتجدها أبسط وألطف، فتقوم وقد امتلأت بالحماس تحاسب على الشاي بالحليب الذي شربته، وتنصرف دون أن تودع القهوجي صديقك لأنك متأكد أنك صعلوك حقيقي ولن يمر يوم أو يومان حتى تعود مرة أخرى.
هذا عنك أما أنا فسأصبح كاتبا كبيرا بالترجمة الحرفية للكلمة، سيارة مرسيدس سوداء تنتظرني أمام باب الأهرام وسائق نوبي بشوش يقول: "صُباه الفل يا سوعادة الباشا". وجلسات رصينة مع كبار الكتاب، وندوات مهمة، وسفريات متعددة طوال الشهر إلى دول العالم من شرقه إلى غربه، وتليفونات متكررة من سيدات يبدو من أصواتهن أنهن فاتنات، وكتب مهمة وغالية، أقرأها من باب الواجب، فلا يصح أن يسألني واحد هل قرأت رواية زكي جمعة الجديدة فأقول لا، (باعتبار زكي جمعة روائيا مشهورا)، ثم تصبح الكتابة عندي سهلة، وأقول في اللقاءات الصحفية: لدي رواية سأكتبها في الربيع القادم، لكنني لن أتكلم عنها حتى لا أحرقها على الجمهور، حتما سأتكلم بهذ الشكل على الجمهور.
كيف حالك يا عم يوسف.
أشعر أن اللعبة أعجبتك، لكنني أعتذر، لا أنوي الاستمرار أكثر من هذا، وإذا كان قد أعجبك أن تكون كاتبا شابًا، فأحب أن أقول لك إنني راجعت نفسي وفكرت جيدا، ولا أحب أن أكون كاتبا كبيرا.
نشرت في جريدة البديل الجمعة 3 أغسطس

الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠٠٧

كاملا



اللي عنده دم


أول ما أنزل إلى أي ميدان عام وأرى سيارة التبرع بالدم المتنكرة في شكل سيارة
إسعاف بريئة أبتعد بسرعة، حين أطمئن إلى أنني صرت على مسافة آمنة أقف قليلا لأراقب الضحايا.
في مرة كنت سائرا في "حدائق القبة" وإذا برجل طويل جدا ونحيف للغاية يقبض على ذراعي من الخلف ويقول:
- رايح فين يا نجم؟
نظرت له من فوق لتحت ولم أحاول أن أكمل النظرة العكسية من تحت لفوق؛ لأن هذا كان سيستغرق وقتا وأنا متأخر على الشغل، فقلت له:
- وانت مالك انت.
ظل غارزا أصابعه المدببة في ذراعي وقال:
- ممكن ناخد من وقتك دقيقة.تذكرت على الفور برنامج الكاميرا الخفية وفهمت أنني يتم تصويري، سكت وتعاملت معه بلطف شديد، حتى لا أظهر بشكل سيئ أمام الجماهير، حاول بكل الطرق اللزجة أن يقنعني بأن أتبرع بالدم، وعندما رأى أنه لا فائدة مني بدأ يكلمني بطريقة غير لائقة، قال:
- عموما اللي عنده دم هو اللي بيتبرع.
تذكرت نفس الإفيه من فيلم "55 إسعاف"، وحاولت أن أمسك بخناق الرجل الطويل فلم أمسك إلا حزام بنطلونه، دفعني بشدة وقال:
- اتكل على الله يا برنس.
توكلت على الله، مطمئنا إلى أنه لم يصور ما دار بيننا، لأنه لم يسألني:
- تحب تذيع ولا لأ؟
منذ يومين كنت في ميدان المطرية ورأيت السيارة الخبيثة واقفة في منتصف الميدان وامرأة بدينة جدا تقف بجوارها، ابتعدت تماما، واقترب رجل ضئيل الحجم منها، بمجرد أن صار بجوارها هجمت عليه:
- اتفضل يا أستاذ عشان تتبرع.
أصابت الرجل "خضة" شديدة ورجع إلى الخلف بسرعة عندما رآها فردت ذراعيها كأنها ستأخذه بالحضن، فصرخ في وجهها:
- دم إيه يا وليه انتي؟ ده منظر واحد عنده دم.. يعني انتو ماصين دمنا من كل ناحية والشوية المحروقين اللي عندنا كمان عايزين تشفطوهم عشان تبيعوهم.
ثم انتبه إلى منظرها وقد اقتربت منه وأمسكت بقميصه:
- ما تروحي يا ختي انتي تتبرعي.. دا انتي عندك دم يكفي القصر العيني.
ضبطتني المرأة بعينها وأنا واقف أضحك، خفت أن تترك الرجل وتتوجه إليَّ، فأعطيتهما ظهري، ومشيت مهرولا.