الاثنين، ٢٧ أكتوبر ٢٠٠٨

العفة في الحزام











العفة في الحزام!

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. لحد ما ياكل ويتخن ويبقى كويس، على رأي الشاعرة العراقية منال الشيخ في إحدى حالاتها على الفيس بوك.. الشرف "الرفيع" أفضل حالا، كما هو معروف، من الشرف غير الرفيع، فالشرف أنواع وأشكال وأحجام، وأحلى من الشرف الرفيع مفيش.
في رأيك، أين تقع "العفة" لدى المرأة؟
إذا كنت ممن يؤمنون بأن عفة المرأة في جسدها فأبشر، سنغافورة الشقيقة تعطيك الحل الناجع: حزام العفة، على شكل القطعة السفلى من الملابس التحتية للمرأة، من معدن غير قابل للصدأ، مصنوع في الولايات المتحدة الأمريكية، وموجه إلى الدول العربية والآسيوية، به العديد من المميزات، مثلا: "مفصلات" مرنة لسهولة الخلع والارتداء، قفل معدني غير قابل للكسر لإحكام "التحزيم" على الجسد وردع الذئاب البشرية، نسخ متعددة من المفتاح لاستخدامها في حال تعدد المستخدمين. وربما لا ينقص هذا الحزام حتى يصبح "فول أوبشن" سوى أن يكون مرشوشا بالأحمر الميتاليك، وبه جهاز إنذار، ومكتوب عليه من الخارج بالفوسفوري: ممنوع الاقتراب أو التصوير، منطقة محظورة.
صاحبة الشركة المصنعة لأحزمة العفة لم توضح إذا كانت هي شخصيا تستعمل منتجاتها أم لا، لكنها صرحت بأن المستهلك المستهدف هو الزوج الذي يشك في عدم إخلاص زوجته له, وأولياء أمور الفتيات المراهقات، والمرأة التي تخشي وقوعها ضحية للاغتصاب.
إذا كنت ممن يؤمنون بأن عفة المرأة في جسدها، فعليك مؤقتا الاكتفاء بحزام العفة، تأمينا للأهم، حتى تتمكن الشركة من تصميم "بدلة العفة" من معدن غير قابل للصدأ أيضا، ويمكنها إحاطة الجسم كله، بدءا من الشعر حتى أخمص القدم، مع ترك فتحات مناسبة للتهوية، فلا أحد هنا ولا في أمريكا ولا حتى سنغافورة يريد المساس بالمرأة "المعلبة" على الإطلاق، فقط الجميع يستهدف حمايتها من المجتمع الخارجي وشروره وآثامه، وهذا على كل حال أفضل كثيرا من فكرة إراقة الدم على جوانب الشرف الرفيع، فحدود الجوانب غير مأمونة، وربما تناثرت بعض القطرات هنا وهناك فأصابت حواف الشرف أيضا وليس جوانبه فقط.
سؤال أخير: إذا كانت قيمة مخالفة عدم ارتداء حزام الأمان في السيارات 50 جنيها، فما قيمة مخالفة عدم ارتداء حزام العفة؟

السبت، ١٨ أكتوبر ٢٠٠٨





ضد "الجنيه الفضة"

كأنني دخلت إلى سيناريو مكتوب مسبقا، أشرت إلى الميكروباص، فتوقف بشكل طبيعي، تماما كما يتوقف أي ميكروباص يشير إليه أي راكب، انفتح الباب، كأي باب، وركبت، ككل مرة، وتنحى أحد الزملاء الركاب فدخلت وجلست إلى جوار الشباك، الذي لا يختلف في شيء عن أي شباك آخر.
وضعت يدي في جيبي، كالعادة في مثل هذه الظروف، وأخرجت ورقة بعشرين جنيها، من الخضراء المعروفة، وناولتها للجالس أمامي، وبمجرد أن أشهرتها في الهواء، ضج الركاب بالضحك، كأنني أخرجت نكتة من جيبي، حاولت استيضاح الأمر، فلم أفهم، ونظر إلي الركاب نظرات ملؤها الشفقة والعطف وأشياء أخرى.
الجالس بجواري، الذي كان قد تنحى منذ قليل، مال على أذني ونصحني:
- لو معاك فكة اديهاله أحسن.
ثم اعتدل، كأنه لم يقل شيئا، وكأنه أدى كل ماعليه في الحياةن وبإمكانه أن يموت مرتاح الضمير.
لم أتعمد تجاهل نصيحة جاري الطيب، ولا عدم الاتعاظ بضحكات الركاب، لكن ما باليد حيلة، وما بالجيب فكة أقل من العشرين جنيها. أعطاها الراكب الذي أمامي للذي أمامه في تسلسل منطقي للأحداث، وما إن وصلت إلى يد السائق حتى أمسك بها، كأنها فرامل يد، في زمن عزّت فيه فرامل القدم، نظر إلى العشرين جنيها بوله، ونظر إلي في المرآة نظرة معناها: يا أهلا وسهلا.
الركاب الأعزاء، الذين ضاعت من قلوبهم أسباب التعاطف مع راكب زميل، أوقعه حظه العثر في موقف كهذا، ضجوا بالضحك مرة أخرى، وارتفع الضحك جدا، والسائق يضع يده في علبة أمامه، هي في الأصل النصف السفلي لجركن زيت مقطوع إلى نصفين، ويخرج قبضة ممتلئة من الجنيهات وأنصاف الجنيهات المعدنية، ثم وهو يناولها للجالس بجواره ويطلب منه عدّها، ثم وهو يدخل يده مرة أخرى في العلبة ليخرجها ممتلئة عن آخرها بحفنة اخرى من النقود.
15 جنيها، و8 أنصاف جنيه معدنية، وصلت إلي بنفس التسلسل المنطقي للأحداث الذي ذهبت به العشرون جنيها.
الراكب الطيب الجالس بجواري أشار لي على الرجل الذي يجلس ورائي، فتطوع الأخير برفع يده أمام وجهي، قائلا:
- أنا كمان خدت باقي العشرة جنيه فضة.
لم اعرف ماذا ينبغي عليّ أن أفعل، في حين تعالت تعليقات الركاب:
- حرام عليك طب حتى كنت تديله في وسطهم ربع جنيه ورق.
- خلي بالك بس لحسن يشخللوا ويلموا عليك الحرامية.
- حرام عليكم.. ممكن في أي لحظة تبقوا زيه.
كان ذهني يعمل بسرعة كبيرة:
أولا: سأؤسس جروبا على الفيس بوك أجعل عنوانه: تضامنوا للقضاء على الجنيه الفضة.
ثانيا: سأشتري صرة قماشية، لأحمل فيها الدنانير، أقصد الجنيهات، إذا تعرضت لمثل هذا الموقف مرة أخرى.
ثالثا: على جني يا اسطى، خد فلوسك، وهات العشرين جنيه بتاعتي.