الأربعاء، ٢٧ مايو ٢٠٠٩



صكوك في محلها



في نهاية العام المنصرم (يعني اللي فات) خرج علينا الحزب الوطني بمشروع "صكوك الملكية"، ورغم أن الملكية انتهت منذ ثورة يوليو (أو يوليه)، فإن هذا لم يمنع الحزب وتحديدا لجنة السياسات من طرح المشروع، ورغم أننا جمهورية ولسنا أهرام أو أخبار خرجت الفكرة بقرار فوقي علوي، وليس بقرار شعبي قومي.
في البداية لم يكن أحد يفهم شيئا، حتى الوزراء المختصين. ثم قالوا إن 41 مليونا من المصريين سيأخذون قيمة الصك، وهم الذين بلغوا سن 21 عاما، أما الباقين فسيضعون لهم قيمة الصك في صندوق أسود اسمه صندوق الأجيال، وصدر قرار بتعديل أغنية الحلم العربي لتصبح كلماتها: أجيال ورا أجيال هتعيش على صكنا.
المهم أنهم اختلفوا في قيمة الصك الذي سيأخذه المواطن، وهو يتراوح بين 200 و400 جنيه، واختلفوا في مكان أخذه، فمنهم من قال إن الصك لا يكون إلا على القفا، ومنهم من قال: الصك على الودان أمر من السحر، ومنهم من غنى: يا ليل الصك متى غده.. أقيام الساعة موعده. لكنهم اتفقوا جميعا على أن الحكومة تدس للشعب الصك في العسل، وقال أعضاء في حركة كفاية إن هذا القرار هو الذي سيقود الشعب إلى ثورة الصك.
المتشائمون قالوا إن توزيع الصكوك لن يكون عادلا، وطالبوا بفصل الإنتاج عن التوزيع، واستدلوا بالمثل العربي القديم: ما صك جلدك مثل ظفرك، ورب صك خير من ألف ميعاد، والصك خير قوم نتصاكك.. الصك خير، وطالبوا بتوزيع استطلاع رأي على المواطنين لمعرفة رأيهم في المشروع يكون سؤاله الأساسي: ضع علامة صك أمام العبارة الصكيكة، وعلامة غلط أمام العبارة التانية.
فجأة مات الكلام حول الصك، انسحبت الحكومة، وانقطع سيل المقالات التي تكلمت في الموضوع، وانشغل الناس، وكما يقول نجيب محفوظ: آفة حارتنا النسيان.
المصريون ينسون أو حلبة أو شاي بحليب. حليب الملايين، أو حليب العادلي، أو حليب الديب من ديله، يا فؤداي لا تسل أين الهوى، كان صكًّا من خيال فهوى، اختفت الصكوك وظهرت أنفلونزا الخنازير، ولهذا ربما توزع الحكومة خنزيرا صغيرا على كل مواطن بدلا من الصك، وتدفن باقي الخنازير في صندوق الأجيال.
المتفائلون يرون أن الصك قادم لا محالة، وأن الحكومة تحب الشعب، وتعمل لصالحه، ويرون ألا ننتقدها، بل نأخذها بالراحة، لأن الصك في الميت حرام.

الأحد، ١٠ مايو ٢٠٠٩


خطر.. لا تبوس الواوا


كنا صغارا، وكان الواحد منا يذهب إلى المدرسة ومعه الساندوتشات، وبمجرد أن يعرف زملاء الفصل أن معه لانشون أو بسطرمة، يتحلقون حوله، ويقولون له:
ـ حرام، دي معمولة من لحم الخنزير.
حتى يكره أكله وشربه وعيشته، فيتخلى عن الساندوتشات، فيأخذونها منه ويأكلونها هم.
الأطفال أحباب الله، ولأن هيفاء وهبي تحب عمل الخير غنت لهم أغنيتها الشهيرة: "بوس الواوا يح"، وحين سمعت وزارة الصحة بالأغنية أصدرت قرارا بمنع "البوس" لأنه ينقل العدوى بأنفلونزا الخنازير، مما يتسبب في حدوث الواوا مستقبلا، وقررت إعدام كل الخنازير، وإن كانت لم توضح ماذا ستفعل بمن يخرق قرار حظر البوس، ولم توضح أيضا كيف تنقل القبلات المرض، وهل يشترط في القُبلة لكي تنقل المرض أن تكون بين إنسان وخنزير أم لا؟
النجمة العالمية "بيرجيت باردو" لا تعرف هيفاء وهبي ولا أغنيتها، وربما لا تفهم المغزى الواضح من كلمة الواوا، لكنها تجرأت واعترضت على قرار الرئيس مبارك بإعدام الخنازير، طبعا لأنها لا تسكن في مصر، بل إنها تجاوزت وأرسلت خطابا للرئيس شخصيا على عنوان منزله، وصفت فيه القرار بأنه "جبان"، وفي هذا الصدد لا نملك إلا نقول لها: كده باردو يا باردو؟
قديما كان الإنسان وحده هو الذي يصاب بالأنفلونزا فيشرب شايا بليمون، ويأخذ مجموعة، وتعمل له زوجته كمادات، أما الآن فقد تغير الزمن، أصيب الدجاج والخنازير بالأنفلونزا، فلم يعد الشاي بالليمون مجديا، واستبدلت الكمادات بالكمامات، ونحن كبرنا، وحين تزوج البعض منا ليستمتع بالحياة منعوا "البوس"، حتى هيفا التي كانت منتهى طموح كل أعزب تزوجت، وارتفع سعر اللانشون، وأصبحت البسطرمة تباع بالتُّمن كيلو، وقد رفعت منظمة الصحة العالمية درجة الخطورة إلى "خمسة"، ورفعت وزارة الصحة الخطورة إلى "ونص إلا خمسة".
الكمامة إذن هي الحل، كل سكان العالم ارتدوا الكمامات، وتصوروا بها ليطلعوا في التلفزيون، أما لدينا فالتلفزيونات مقصرة في عملها، لهذا لم تصور المواطنين وهم يختبئون خلف الكمامات، والكمامة الوحيدة التي رأيتها في مصر بعد انتشار المرض كانت في الجيزة، حيث كتب أحد المواطنين أمام منزله: رجاء عدم إلقاء الزبالة هنا ووضعها في صندوق "الكمامة" آخر الشارع.