الثلاثاء، ٢٤ مارس ٢٠٠٩



"العب فيه يا شوقي"



الحمد لله رب العالمين. أخيرا وبفضل الله أمكننا وضع أيدينا على أساس مشكلات التلفزيون المصري، منذ إنشائه وحتى الآن، هناك من اتهم وزير الإعلام الحالي أنس الفقي – ظلما - بالمسئولية عن انهيار الإعلام المصري، وهناك فئة من أقوياء الذاكرة افتروا على الوزير الأسبق ورئيس مجلس الشورى الحالي صفوت الشريف – بهتانا – بأن سياساته طويلة المدى هي سبب ما نعانيه حتى الآن.
لكن الحمد لله ظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، شوقي هو المسئول الوحيد يا سادة، ومن ذا الذي لا يعرف شوقي؟ في الحقيقة كلنا لم نكن نعرفه حتى يوم الاثنين الماضي، لكن الجريمة لا تفيد، والمجرم يحوم دائما حول المسرح القومي بالعتبة، وإذا كان السكري هو الجاني في مقتل سوزان تميم، ومحمود هو الجاني في مقتل هبة ونادين، فإن شوقي هو الجاني في مقتل الإعلام المصري وسحب سجادة الريادة من تحت قدميه.
لا تسألوني ما اسمه - الثنائي أو الثلاثي – حبيبي، فأنا لا أعرف إلا "شوقي"، لا تسألوني ما شكله حبيبي، فأنا لم أره، لكن زميلته هي التي وشت به، وعلى الهواء مباشرة. لكن اسألوني عن سجادة الريادة، فهي من إنتاج النساجون الشرقيون، حمرا وبشراشيب من الجنبين.
الوقت كان ظهرا، وكان ملايين المشاهدين يجلسون أمام التلفزيون يتابعون وقائع مؤتمر إعمار غزة، كان رئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني يتحدث بالإيطالية قال إن أوروبا وإيطاليا ستلعبان دوريهما لإعادة الإعمار، وأعلن تخصيص 100 مليون دولار كمساهمة ايطالية. وكان صوت المترجمة يترجم كلام بيرلسكوني إلى العربية، وفجأة حدث عطل فني، انقطع صوت بيرلسكوني عن المترجمة، فظنت أن صوتها هي الأخرى انقطع عن المشاهدين، فصرخت وقد تغيرت لهجتها تماما: "العب فيه يا شوقي.. العب فيه يا شوقي".
شوقي جندي مجهول، حتى هذه اللحظة لم يكن أحد يعرف مدى أهمية دوره في الإعلام المصري، في البداية كان شوقي يلعب جيدا فاستقرت سجادة الريادة تحت أقدامنا زمنا طويلا، وحين تقدم به السن لم يعد يلعب كما كان في السابق، فوصلنا إلى ما نحن فيه، لدرجة أنه كلما حدثت وعكة طارئة أو عطل مفاجئ صرخنا بكل ما نملك من قوة: العب فيه يا شوقي.
يستيقظ شوقي من نعاسه ويلعب فيه، فيعود صوت بيرلسكوني عاليا خفاقا، وتعود المترجمة إلى لهجتها الرسمية، ويستمر البث المباشر كأن "شوقي" لم يكن.

الثلاثاء، ١٧ مارس ٢٠٠٩



ما طار كاتب وارتفع إلا كما طار وقع.. وانكسرت رجله



بدأ الحادث هكذا: درج سُلم كأي درج، وروائي كأي كاتب، ينزل مسرعا كما يفعل أي متأخر عن موعد مهم.
"النزول قفزا" سمة مميزة لأي كاتب شاب، تبدأ في الاختفاء كلما تقدم به السن، مراعاة لتضخم ذاته، واسمه، وتقدمه في السن، ولأنني مازلت "كاتبا شابا" ممن لم يتضخم لديهم أي شيء بعد، كنت أنزل قفزا، وكان السلم مغويا، رخاميا، مصقولا، ممسوحا، واسعا، بدأت بقفز درجة بعد درجة، ثم درجتين درجتين، ثم ثلاثا ثلاثا.
فجأة رن الموبايل بصوت فيروز: "يا حبيبي.. أنا عصفورة الساحات"، وأنا كاتب شاب، ممن ينتظرون طوال الوقت مكالمات مهمة ربما تنقلهم إلى مصاف الكتاب الكبار، حافظت على قفزاتي السريعة، ودسست يدي في جيب بنطلوني الجينز الضيق لأستلّ الموبايل، وبالفعل، دخلتْ اليد في الجيب، وجاءت استدارة السلم، التي تنقل النازل منّا من طابق إلى طابق، ارتفع جسدي عن الأرض، استعدادا لقفزة جديدة، وطرت في الهواء لجزء من الثانية، لتنزل قدمي على طرف درجة سلم، وتنزلق، وينزلق جسدي تبعا لها.
تلتوي ساقي، ويتركز ثقل الجسد على الركبة اليسرى، فتنثني في غير الاتجاه الذي تم تصميمها من أجله، ويمتزج صوت رنين الموبايل بصوت طقطقة العظام، ويخرج الموبايل من الجيب، ويطير في الهواء، ويسقط الكاتب الشاب دون أن يتمكن من أن يسند بيده التي تخلصت من الجيب بصعوبة، يسقط محققا القول المأثور: ما طار كاتب شاب وارتفع إلا كما طار وقع، وانكسرت رجله.
في المستشفى رفع الطبيب الأشعة ونظر إليها في الضوء، كأنه يتأمل ورقة بنكنوت، ليرى أهي مزورة أم لا، نظر وأطال النظر، وتغضن جبينه، ورفع النظارة ثم أنزلها، ومال بجسده يمينا ويسارا، خفت جدا، وخشيت أن يقول إنها مزورة، ويتصل بالشرطة، لكنه أنزلها وقال: "بسيطة.. اللي اتكسر يتجبس".
أمرني بخلع بنطلوني، فخلعت، وأن أنام على "الشيزلونج"، ففعلت، وشعر أنني خائف، فربت على كتفي، وغطى ساقي بقطن أبيض شديد النعومة، ثم أحضر "شيكارة جبس"، وغمس بها لفافة شاش، حتى امتزج الجبس بالقماش، فغمسها في الماء ولفها على ساقي، مكررا الغمس والمزج واللف أكثر من مرة، حتى اختفت رجلي من أولها إلى آخرها، وأمرني أن أنتظر حتى يجف، وأن أمر عليه بعد أسبوعين لفك الجبس.
غادرت المستشفى على كرسي متحرك، حتى باب "التاكسي" ولأن رجلي صارت غير قابلة للانثناء كباقي أرجل خلق الله، تمددت في الكرسي الخلفي، وأغلق السائق الباب وفتحه، وطلب جنيهين إضافيين على خدماته.
الحياة من منظور كاتب شاب مكسور الرجل، تختلف كثيرا، حيث تعامل معه العامة في الطرقات باعتباره مجرد شاب يسير على "عكاز"، نافين عنه صفة الكتابة التي كانت تميزه قبل الحادث، فاتسمت تصرفاتهم تجاهه بنوع من الشفقة أحيانا، وبنوع من "مَن يرى مصائب الناس تهن عليه مصيبته" أحيانا، وبنوع من اللامبالاة أحيانا أخرى.
الكاتب الشاب كان انتهازيا، حصل على كل هذا العطف الذي سكبه عليه المارة، وعلى دعوات الجيران، ودموع أمه، وعلى أسبوع أجازة من العمل استغله في الاسترخاء والقراءة والكتابة، فبدأ في رواية جديدة، ليس بها أي درج، ولا أطباء، ولا مستشفيات، ولا جبس، ولا شاش، ولا قطن، ولا أشعات، ولا كراسي متحركة، ولا تاكسيات، ولا مارة، ولا دعوات.
المشكلة الوحيدة أن الموبايل سقط على الأرض في أثناء الحادث، وتحطم تماما، أصبح كل جزء منه سليما لكن مستقلا بذاته، دون أي إمكانية لتجميع الأجزاء، وحتى الآن، لم يعرف الكاتب الشاب حقيقة شخصية المتصل لحظة السقوط.

الاثنين، ٥ يناير ٢٠٠٩



باي باي 2008



صديقاتي أصدقائي، هذه بعض افتكاسات المصريين في 2008، نرجو ألا تختفي في 2009 لأي سبب من الأسباب، عاوزين نضحك.

· تنبيه أمام مصعد عمارة قديمة: الرجاء قبل الدخول إلى المصعد التأكد من وجود الكابينة أمامك.
· تنبيه آخر أمام مصعد عمارة حديثة: على جميع المستأجرين الالتزام بالآتي، عدم دخول أي شيء من الأشياء إلى المصعد إلا الفرد نفسه.
· على حائط فيلا في منطقة نائية باسبراي أسود: آخر إنذار، ممنوع وقف العشاق هنا.
· على باب جراج: "كاراج.. ممنوع الوقوف لأي كان، مهما كان السبب، فهمت؟".
· على فاترينة محل لعب وهدايا: كل أربع قطع الخامسة مجانا، حتى لو كانت الخامسة أغلى قطعة في المحل.
· على باب زجاجي لملهى ليلي درجة عاشرة: لا يوجد لدينا هاني شاكر ولا نانسي عجرم.
· على مؤخرة توك توك: روتانا توك توك.. مش هتقدر تمشي على رجليك.
· على باب حمام عمومي من الخارج بخط كبير: ممنوع التحدث مع السائق لعدم الإحراج.
· على مؤخرة ميكروباص: البطة المرتاحة للسفر والسياحة.
· على كولدير قديم جدا: ممنوع سرقة الحنفيات.
· على صندوق شكاوى إحدى المصالح الحكومية، باسبراي أخضر: الشكوى لغير الله مذلة.
· على عربة كبدة: نظرا لارتفاع أسعار المواد الخام عالميا.. نأسف لرفع أسعار الساندوتشات.
· على باب دورة مياه الأساتذة في إحدى الجامعات: برجاء غلق الباب بالمفتاح بعد الاستخدام منعا لدخول الطلاب.
· في بنزينة: عزيزي الممول برجاء عدم فتح غطاء السيارة أثناء تمويلها بالبنزين.
· داخل مصعد أيضا: السادة السكان الرجاء التنبيه على الأطفال عدم التبول في المصاعد، لأن هذا الأسبوع وجد التبول يوميا.. شاكرين حسن تعاونكم.
· على عربة كارو: لراغبي التملك.. السيارة للبيع.
· على مؤخرة تاكسي: زعبولة ترافل.
· لافتة خشبية بجوار حمام سباحة: مطلوب تعاونكم معنا للحصول على مياه نظيفة 100%، ممنوع البصق والتبول أثناء السباحة.. وشكرا.
كل سنة وهم طيبيبن

الأحد، ٣٠ نوفمبر ٢٠٠٨

صدور الروايات أفضل من صدور الجميلات

وقوف متكرر من دار الشروق، حاليا بالمكتبات

غرفة واسعة بسقف مرتفع، ومصباح أصفر يضع ظلالا أكثر مما يضيء، طلاء قذر ومتساقط، وبلاط ملخلخ يصدر صوتا عند المشي فوقه، رطوبة ناشعة حتى ثلث الجـدار، وبدون أي نافذة على الشارع، فقط فتحة صغيرة على المنور مغلقة بكرتونة شيبسي مفرودة ومدقوقة من أعلى، ترفعها فيواجهك على بعد 30 سم تقريبا حائط الحمام المشترك للدور الثاني كله، وبأعلاه فتحة مربعة تنتقل إليك الروائح والأصوات.
تدخل أنت ومحمد عبد المنعم صاحبك الذي تناديه بـ ((منعم)) والتي تضايق منها أبوه عندما سمعك تناديه بها في بيتهم أول مرة، ولكنهم تعودوا عليها بعد ذلك، وصاروا ينادونه بها، تتصل به وتسلم على أبيه، تقول له:
((محمد موجود يا عمي؟)).
فيقول لك:
((خليك معايا)).
وتسمعه وهو ينادي)).
((يا منعم.. تليفون يا منعم)).
تدخلان ومعكما السمسار، وصاحبة البيت السمينة التي قالت دون مبرر ودون أن تساومها على شيء:
((تسعين جنيه في الشهر.. ما دفعتهمش يوم واحد.. يوم اتنين تلاقي هلاهيلك في الشارع)).
في البداية كان منعم يشجع فكرة الغرفة لتجدا ((مُكْنة)) مناسبة، لكن هنا يستحيل أن تصعد أي واحدة، فظل يخبطك في جنبك حتى تنزلا، لكنك رأيتها أفضل الغرف التي تفرجتما عليها، كما أن السمسار قال قبل أن تصعدوا:
((بص يا أستاذ دي آخر أوضه هفرجكم عليها.. ما عجبتكمش هاخد حسنتي زي ما تكونوا سكنتم بالظبط.. أنا بقالي أسبوع دايخ معاكم)).
يكتب السمسار عقدًا ملفقًا في ورقتين فلوسكاب، فتُوقِّع أنت على الورقة التي ستأخذها صاحبة البيت، وترفض هي أن تبصم على الورقة التي ستأخذها أنت، تحرك يديها للسمسار بطريقة بذيئة، وتقول:
((دا أنا صاحبة مِلك)).
لم تهتم لأنك لم تدفع أي مقدم، وظلت حركتها وكلمتها كـ ((إفيه)) تستدعيانه أنت ومنعم بعدها.
تعطي السمسار خمسين جنيها فلا تعجبه، فيعطيه منعم عشرين أخرى، فيقول:
((انتو تأمروا يا أساتذة في أي وقت.. ومن غير فلوس خالص)).

الأحد، ٢ نوفمبر ٢٠٠٨




رِِجْل - ولا مؤاخذة - الحمار



الوظيفة الأساسية لها معروفة في العالم كله، وهي أن يسير الحمار عليها دائمًا، ويرفس بها أحيانا. لكن في مصر هناك وظيفة ثالثة لها، وهي أن تغزل بها الشاطرة!
المصري يعشق الافتكاس، افتكس يفتكس افتكاسا فهو مفتكس، والمفتكس هنا يترك للعالم مهمة اختراع الأشياء من العدم، ثم يتلقفها، فيحوّرها ويدوّرها و"يقيّفها" على مقاسه ووفقا لاحتياجاته.
وأرجل الحمير في حياة المصريين كثيرة، فكل شيء ينفع لأي شيء، والمهم الإنجاز، وتحقيق أقصى استفادة ممكنة، وإليك بعض الأرجل، على سبيل المثال، لا الحصر:
الحذاء: مصنوع من جلد طري ونعل صلب، لكي نرتديه في أرجلنا فيقينا حر الصيف وبرد الشتاء ومسامير الطريق وزجاجه، لكننا نعلق نموذجا مصغرا منه على أبواب البيوت وواجهات السيارت والمحلات، لمنع الحسد ورد العين.
الأذن: مصممة خصيصا لغرضين: السمع وتعليق النظارة، لكن موقعها المميز على جانبي الرأس أغرانا بتنويع استخدامها تبعا للمهنة، فالنجارون وموظفو الأرشيف يستعملونها كمقلمة، لوضع القلم وراءها، وسُيّاس الجراجات يركنون خلفها السجائر، ومحصلو الأتوبيسات والميكروباصات يضعون بداخلها العملات المعدنية، وكأنها حصالة.
الجرائد: المفروض أنها للقراءة والاطلاع على أخبار البلد، لكن نساءنا يستخدمنها كمفارش على الأرفف، ولتنظيف الزجاج، ويستخدمها الباعة في لف أي شيء يؤكل على وجه الخصوص، من أول ساندوتشات الفول والطعمية، وحتى الكيوي.
الكتب: خلقها الله للثقافة والمعرفة والتعليم، ونحن نطبعها للإشادة بجهود السيدة الأولى في المقدمة، ووضع صورتها على الغلاف الخلفي.
كروت الشحن: من اسمها، تستخدم لغرض واحد لا ثاني له، وهو شحن الموبايل بالرصيد، لكن الكارت فئة 100 جنيه، و200 جنيه، أصبحا بديلا عن الرشاوى المالية، ويكثر استعمالهما مع ضباط المرور، الذين لا يقبلون الرشوة المالية، ربما لحرمتها.
صدر المرأة: في كل أنحاء العالم له استخدامان فقط: الرضاعة، والإثارة، عندنا يتم استخدامه كخزانة لحفظ النقود.
الزهور: لإهدائها والاستمتاع بألوانها ورحيقها، لدينا تترك البنات هذا كله، وتمسكها لقطف أوراقها واحدة بعد الأخرى للتأكد من مدى حب صديقها لها: بيحبني، ما بيحبنيش، بيحبني، ما بيحبنيش... إلى آخر الوردة.
أقسام الشرطة: اخترعها الإنسان الأول لأهداف معروفة، منها: الحفاظ على الأمن والأمان، وفض المنازعات، وتحرير المحاضر، لكنها تحولت إلى سلخانات لانتهاك حقوق المواطنين وأعراضهم، بعصي المقشات، وبالكهرباء.. وممنوع دخول المحمول، خاصة إذا كان "من أبو كاميرا"، لأن استخدامه الأساسي هو استقبال وإرسال المكالمات، وليس نشر فضائح الشرطة على الهواء مباشرة، عندهم حق.

الاثنين، ٢٧ أكتوبر ٢٠٠٨

العفة في الحزام











العفة في الحزام!

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. لحد ما ياكل ويتخن ويبقى كويس، على رأي الشاعرة العراقية منال الشيخ في إحدى حالاتها على الفيس بوك.. الشرف "الرفيع" أفضل حالا، كما هو معروف، من الشرف غير الرفيع، فالشرف أنواع وأشكال وأحجام، وأحلى من الشرف الرفيع مفيش.
في رأيك، أين تقع "العفة" لدى المرأة؟
إذا كنت ممن يؤمنون بأن عفة المرأة في جسدها فأبشر، سنغافورة الشقيقة تعطيك الحل الناجع: حزام العفة، على شكل القطعة السفلى من الملابس التحتية للمرأة، من معدن غير قابل للصدأ، مصنوع في الولايات المتحدة الأمريكية، وموجه إلى الدول العربية والآسيوية، به العديد من المميزات، مثلا: "مفصلات" مرنة لسهولة الخلع والارتداء، قفل معدني غير قابل للكسر لإحكام "التحزيم" على الجسد وردع الذئاب البشرية، نسخ متعددة من المفتاح لاستخدامها في حال تعدد المستخدمين. وربما لا ينقص هذا الحزام حتى يصبح "فول أوبشن" سوى أن يكون مرشوشا بالأحمر الميتاليك، وبه جهاز إنذار، ومكتوب عليه من الخارج بالفوسفوري: ممنوع الاقتراب أو التصوير، منطقة محظورة.
صاحبة الشركة المصنعة لأحزمة العفة لم توضح إذا كانت هي شخصيا تستعمل منتجاتها أم لا، لكنها صرحت بأن المستهلك المستهدف هو الزوج الذي يشك في عدم إخلاص زوجته له, وأولياء أمور الفتيات المراهقات، والمرأة التي تخشي وقوعها ضحية للاغتصاب.
إذا كنت ممن يؤمنون بأن عفة المرأة في جسدها، فعليك مؤقتا الاكتفاء بحزام العفة، تأمينا للأهم، حتى تتمكن الشركة من تصميم "بدلة العفة" من معدن غير قابل للصدأ أيضا، ويمكنها إحاطة الجسم كله، بدءا من الشعر حتى أخمص القدم، مع ترك فتحات مناسبة للتهوية، فلا أحد هنا ولا في أمريكا ولا حتى سنغافورة يريد المساس بالمرأة "المعلبة" على الإطلاق، فقط الجميع يستهدف حمايتها من المجتمع الخارجي وشروره وآثامه، وهذا على كل حال أفضل كثيرا من فكرة إراقة الدم على جوانب الشرف الرفيع، فحدود الجوانب غير مأمونة، وربما تناثرت بعض القطرات هنا وهناك فأصابت حواف الشرف أيضا وليس جوانبه فقط.
سؤال أخير: إذا كانت قيمة مخالفة عدم ارتداء حزام الأمان في السيارات 50 جنيها، فما قيمة مخالفة عدم ارتداء حزام العفة؟

السبت، ١٨ أكتوبر ٢٠٠٨





ضد "الجنيه الفضة"

كأنني دخلت إلى سيناريو مكتوب مسبقا، أشرت إلى الميكروباص، فتوقف بشكل طبيعي، تماما كما يتوقف أي ميكروباص يشير إليه أي راكب، انفتح الباب، كأي باب، وركبت، ككل مرة، وتنحى أحد الزملاء الركاب فدخلت وجلست إلى جوار الشباك، الذي لا يختلف في شيء عن أي شباك آخر.
وضعت يدي في جيبي، كالعادة في مثل هذه الظروف، وأخرجت ورقة بعشرين جنيها، من الخضراء المعروفة، وناولتها للجالس أمامي، وبمجرد أن أشهرتها في الهواء، ضج الركاب بالضحك، كأنني أخرجت نكتة من جيبي، حاولت استيضاح الأمر، فلم أفهم، ونظر إلي الركاب نظرات ملؤها الشفقة والعطف وأشياء أخرى.
الجالس بجواري، الذي كان قد تنحى منذ قليل، مال على أذني ونصحني:
- لو معاك فكة اديهاله أحسن.
ثم اعتدل، كأنه لم يقل شيئا، وكأنه أدى كل ماعليه في الحياةن وبإمكانه أن يموت مرتاح الضمير.
لم أتعمد تجاهل نصيحة جاري الطيب، ولا عدم الاتعاظ بضحكات الركاب، لكن ما باليد حيلة، وما بالجيب فكة أقل من العشرين جنيها. أعطاها الراكب الذي أمامي للذي أمامه في تسلسل منطقي للأحداث، وما إن وصلت إلى يد السائق حتى أمسك بها، كأنها فرامل يد، في زمن عزّت فيه فرامل القدم، نظر إلى العشرين جنيها بوله، ونظر إلي في المرآة نظرة معناها: يا أهلا وسهلا.
الركاب الأعزاء، الذين ضاعت من قلوبهم أسباب التعاطف مع راكب زميل، أوقعه حظه العثر في موقف كهذا، ضجوا بالضحك مرة أخرى، وارتفع الضحك جدا، والسائق يضع يده في علبة أمامه، هي في الأصل النصف السفلي لجركن زيت مقطوع إلى نصفين، ويخرج قبضة ممتلئة من الجنيهات وأنصاف الجنيهات المعدنية، ثم وهو يناولها للجالس بجواره ويطلب منه عدّها، ثم وهو يدخل يده مرة أخرى في العلبة ليخرجها ممتلئة عن آخرها بحفنة اخرى من النقود.
15 جنيها، و8 أنصاف جنيه معدنية، وصلت إلي بنفس التسلسل المنطقي للأحداث الذي ذهبت به العشرون جنيها.
الراكب الطيب الجالس بجواري أشار لي على الرجل الذي يجلس ورائي، فتطوع الأخير برفع يده أمام وجهي، قائلا:
- أنا كمان خدت باقي العشرة جنيه فضة.
لم اعرف ماذا ينبغي عليّ أن أفعل، في حين تعالت تعليقات الركاب:
- حرام عليك طب حتى كنت تديله في وسطهم ربع جنيه ورق.
- خلي بالك بس لحسن يشخللوا ويلموا عليك الحرامية.
- حرام عليكم.. ممكن في أي لحظة تبقوا زيه.
كان ذهني يعمل بسرعة كبيرة:
أولا: سأؤسس جروبا على الفيس بوك أجعل عنوانه: تضامنوا للقضاء على الجنيه الفضة.
ثانيا: سأشتري صرة قماشية، لأحمل فيها الدنانير، أقصد الجنيهات، إذا تعرضت لمثل هذا الموقف مرة أخرى.
ثالثا: على جني يا اسطى، خد فلوسك، وهات العشرين جنيه بتاعتي.