الأحد، ٣ أكتوبر ٢٠١٠

حوار جريدة الأخبار حول سيدي براني







محمد صلاح العزب: سيدي براني استكملت أضلاع مثلث الرواية



حوار رشا حسني – جريدة الأخبار




كعادته لا يكتفي محمد صلاح العزب على طريق عبّده من قبل، فهو في روايته الجديدة سيدي براني الصدارة مؤخرا عن دار الشروق يذهب بمشروعه الإبداعي إلى منطقة جديدة تجمع بين الواقعية والفانتازيا ويطعم نصه السردي الذي يفيض بالشاعرية بتساؤلات وجودية يصيغها ببساطة دون تعال على القارئ ليمكنه من الاشتباك معها.
أما التحدي الحقيقي الذي واجه العزب في "سيدي براني" فقد تمثل في مدى قدرته على صياغة عالم متكامل متعدد المستويات ورصد تغيراته في مدى زمني ممتد.
سيدي براني هي نفسها صلاة العزلة التي اشتغل عليها العزب أكثر من سبع سنوات، باحثا عن عالم روائي مختلف، وحملت الرواية تجديدا شكليا يبدو في حجم الرواية الذي وصل إلى مائتي صفحة بخصوص رواياته السابقةالتي لم تكن تتجاوز مائة صفحة وتجديدا في المضمون تجلى في لغة السرد وبنية الرواية.
وتثير الرواية تساؤلات ناقشنا بعضها في حوارنا مع العزب.




ـ اختيارك لعنوان الرواية يوحي بأن المكان بطل رئيسي فيها لكن يبدو أن سطوة الحكاية أخفت كثيرا من شخصية المكان.. فهل قصدت خدعة القارئ؟




** عنوان الرواية "سيدي براني".. وسيدي براني علم على شخص هو المتصوف الليبي الذي وقع في الغرام فتم طرده فبدأ حياته في مكان آخر، وعلم على مكان وهو المدينة الصغيرة الواقعة قرب الحدود المصرية الليبية، وعلم على حكاية ارتباط هذا الشيخ بهذا المكان، وهذه العلاقة بين الإنسان والمكان والحكاية هي روايتي، ويمكنك تتبع هذا مع كل شخصياتها: الشيخ، سمعان، الراوي، مريم، طيبة، إلخ، فكأنه مثلث لا يمكن له أن ينغلق إلا بأضلاعه الثلاثة، والحياة نفسها هكذا، بمجرد تفاعل الإنسان مع أي مكان تكون هناك حكاية تستحق أن تروى. وسيدي براني الشخصية الحقيقية له حكايتان: حكاية رسمية تخفي ذكر العشق والطرد في قصته واختفاءه في النهاية، وقصة شعبية أسر لي بها البدو هناك ولا يعرفها الكثيرون حتى منهم، وهي التي ذكرتها في الرواية.

ـ طرقت في هذه الرواية عالما مختلفا تماما عن روايتيك السابقتين فهل تقصد تغيير هوية رواياتك من الواقعية الى الفانتازيا واخيرا الجمع بينهما معا في "سيدي براني"؟




** طوال الوقت أكتب في منطقتين واقعية وفانتازية الأولى تمثلها وقوف متكرر والثانية سرير الرجل الإيطالي، ولكل منطقة منهما جمالياتها المختلفة تماما، لكن سيدي براني أتت من منطقة ثالثة، وهي التحام الأسطورة الموروثة بالحياة الواقعية للرواي وكيف أثر هذا في شخصيته، فهو مثلا حين أتى إلى القاهرة في نهاية رحلته لم يعرفها جيدا وبالتالي لا نجد صورة واضحة للقاهرة كما نعرفها نحن، حتى سيدي براني التي عاش فيها لا تمثل إلا وجهة نظره عنها، مما صبغ الواقع بصبغة أسطورية كأننا نشاهد هذه الأحداث في فيلم تاريخي حتى وهي تجري حولنا. لكن هذا ليس معناه اللعب في هوية رواياتي، فأنا لا أحب أن يلعب فيها أحد، والرواية المقبلة مثلا هي رواية واقعية تماما تدور في القاهرة، وأنا أعتبر مشروعي الإبداعي ينقسم إلى قسمين: الأول هو الحفر في القاهرة تحديدا، بكل ما فيها من أماكن وحياة وبشر وخبرات وحكايات، والثاني: اللعب مع اللغة والخيال، والقسمين لا فاصل بينهما فهما يبتعدان ويتقاربان ويتداخلان طوال الوقت حسبما يتراءى للكتابة.

ـ ما هي دلالة الحيوات المتعددة في شخصية الجد؟




** هناك فكرتان انطلقتُ منهما، هما مصدر فكرة الحيوات المتعددة، الفكرة الأولى: تناسخ الأرواح، فكرت لماذا لا يتم التناسخ لنفس الشخص لماذا لا تخرج منه الروح وبدلا من ان تذهب لكائن حي تعود إليه مرة أخرى؟ والفكرة الثانية هي الخلود، الحلم اللأثير للبشرية، فرغم أن الخلود هو ما يتمناه كل حي إلا أنها أمنية لا تلتفت للطبيعة البشرية، فحاولت أن أفكر وأطرح السؤال وألعب معه فنيا: هل نحن كبشر بطبيعتنا وصفاتنا مؤهلون لفكرة الحياة إلى الأبد حتى لو تخللتها أوقات من الموت؟ وهل هذا ما نريده فعلا؟ وهل الموت ضد الإنسان أم معه؟ وكل ما فعلته أنني مددت الخط على استقامته غير حريص على الوصول إلى إجابة شافية، لأنها غالبا غير موجودة.
وتجليات هذه الحيوات المنفصلة تتضح أكثر في الحياة الأخيرة للجد، حيث بدت أسئلته عن الحياة والموت والإله أكثر وضوحا وتحديدا.


ـ عندك ولع باستخدام "ليد" أو مقدمة لفصول رواياتك إلى أي حد تخدم تلك الاستشهادات بنية الرواية؟




** فعلت هذا في روايتين: سرير الرجل الإيطالي وسيدي براني، وفي العملين كانت هناك ضرورة فنية وجمالية من وجهة نظري لتصدير الفصول بهذه النصوص، فالرجل الإيطالي يدعو إلى ديانة جديدة ولديه نص مقدس يمثل محور ديانته، فكان مهما أن آتي ببعض مقاطع من هذا النص المقدس، ووضعتها في بدايات الفصول بشكل مستقل ومميز كخارطة للوصول إلى عمق الشخصية، وهنا في سيدي براني لدينا رجل عاش 13 مرة يسر لأولاده وأحفادة بمقولات صوفية ليهديهم طريقهم في الحياة، وفي العملين هذه المقاطع تصنع نصا جماليا مختلفا وموازيا للنص الأصلي وتعطي ملامح حقيقية واضحة للشخصية الرئيسية.

ـ حضور المرأة في الرواية واضح لكنها دوما تصور كـ"متاع" فيما عدا شخصيتي مريم وطيبة.. لماذا؟




** بالعكس تماما، معظم إن لم تكن كل الشخصيات النسائية في الرواية فاعلة تماما، بدءا من الخادمة العجوز التي وقفت أمام أهل القرية جميعا في البداية لتنقذ الجد وتمنحه جمال حياته الأولى، حتى الغزالة المرضعة التي تعمل لإطعام زوجها القعيد وتدخل في غرام معلق مع ظالم، مرورا بالفتاة الهندية التي تأبت على الجد لتحرق نفسها مع جثمانه، حتى صبر الطفلة الصغيرة التي حلمت بأن تصبح ممثلة لكن الواقع وظروف الحياة البدوية قهرا حلمها الصغير.
ـ استخدام نصوص "الطاو" التراثية هل جاء استجابة لضرورة فنية أم أنه مجرد إخلاص لصيغة الرواية الحديثة المتحررة من التابوهات؟
** لم تعد هناك تابوهات أصلا، وبما أن الرواية تتعرض لهذه الأزمنة التراثية، فإن استخدام "الطاو" جاء استجابة لضرورة جمالية.

ـ قلت على لسان إحدى الشخصيات "البلاد تقاس برجالها ولا يقاس الرجل ببقعة من الارض يمكنه أن يتركها الى غيرها" إلى أي حد يعكس ذلك مفهوم الوطن لدى جيلك؟




** الوطن الذي لقنونا إياه ونحن صغار هو أناشيد الصباح من نوعية: مصر هي أمي نيلها هو دمي، وحين كبرنا فوجئنا بأن الوطن هو الابن الذي يقتل أمه من أجل عشرة جنيهات ثمن سيجارة البانجو، والموت على شواطئ الهجرة غير الشرعية، والخضار المسرطن، والمياه الملوثة والتسول من أجل بناء مستشفى. والمطلوب منا هو ترميم هذا الوطن الفاسد حتى يصبح صالحا للاستهلاك الآدمي.

ليست هناك تعليقات: