الثلاثاء، ٣ يوليو ٢٠٠٧

باعتباري أزهريًا قديمًا


مدرسو الأزهر - لمن لا يعلم - هم بؤس شديد يمشي على قدمين (أو أقدام)، وهم التطور الطبيعي لمشايخ الكتاتيب، ولمقرئي المآتم والمقابر، الذين يتناولون أجورهم غالبا عن طريق المقايضة، فرخة محمرة، صينية أرز معمر، طاجن بطاطس باللحمة الضاني، وهذا في وقت سابق كان جزاءً وفاقا، يرضي المشايخ القدماء في القرى والنجوع، لكن مع تطور الزمن، وظهور العملات الورقية، وإلحاح العصر في ضرورة التعامل بها أيقن مدرسو الأزهر الفقراء أن مرتباتهم الهزيلة لا تساوي الأجور العينية القديمة، ولا تكفي لجلب مثلها من سوق باعته لا يرحمون ولا يقدرون الناس حق أقدارها

علم مدرسو الأزهر من وسائل الإعلام التي ظن نظام الحكم في مصر أنها لا تصل إليهم لفرط تطورها أن زملاءهم من مدرسي المدارس الأميرية المسماة بمدارس وزارة التربية والتعليم حصلوا على كادر خاص، فعقدوا اجتماعاتهم، واستشاروا، واستفهموا عن معنى كلمة كادر وعن سر إضافتها لكلمة خاص، وحين أشار عليهم أولو العلم منهم، أن في الأمر مؤامرة، وأن هناك زيادة في رواتب زملائهم لن تصل إليهم جن جنونهم، وأضربوا عن تصحيح امتحانات الإعدادية والثانوية، مما جعل الإمام الأكبر (لا أحد حتى الآن يعلم أكبر في ماذا بالضبط) يجتمع بهم، ويحلف لهم بالله العظيم أن الكادر سيشملهم لاحقا، إلا أن أصحاب الرأي منهم والنهى، قالوا : نحن مستمرون في الإضراب يا مولانا، وأصحاب الملكات الشعرية والنظمية منهم ألفوا الهتافات ضد عمامة الإمام، وكان من أبلغ الهتافات

فين الكادر يا إمام ؟؟؟ فين الكادر هو حرام؟؟؟

وطبعا لأنه من المعلوم بقوانين التعليم بالضرورة أن الكادر ليس حراما، فقد جرجر "الأكبر" أذيال جبته الفضفاضة وولى هاربا

إلا أن الرئيس "الأكبر" حسني مبارك رضخ فورا، ومنح مدرسي الأزهر الكادر الخاص وطبقه عليهم، من باب أن المساواة في الكادر عدل

لذا وجبت مني التهنئة، بصفتي أزهريا قديما، بعض أبطال هذا الإضراب من المدرسين درسوا لي، وكنت أنا وزملائي نستخف بهم، ونعلق لهم الأذيال الورقية في مؤخرات بنطلوناتهم، ونطلق عليهم الأسماء الماجنة، ولا نسكت حين يجعلون أحد الأولاد يقف على الفصل ليكتب أسماء المتكلمين، وحين يأمروننا بفتح أيادينا حتى نضرب، نرفض وكأن باطن اليد عورة، وكنا ننتظرهم أمام المدرسة ويخوفهم الأشداء البلطجية من زملائنا، وكان المدخنون منا يجاهرون أمامهم بشرب السجائر ويتعمدون النفخ في وجوههم، لن أذكر بالطبع بعض الزملاء الذين ضربوا بعض المدرسين، ولا بعض الزملاء الذين تعمدوا إفساد حياة بعض المدرسين بطريقة أو بأخرى

بمجرد تخرجي من الجامعة كان المصير الطبيعي لي - لولا ستر الله - أن أعمل مدرسا في أحد المعاهد الأزهرية، لكن الحمد لله الذي أنجاني من هذا المصير المظلم

تحية حقيقية لأول مرة لمدرسي الأزهر، الذين أثبتوا أنهم قادرون على لي عنق النظام، والحصول على حقوقهم، لو كنا نعلم أنكم هكذا لما وجدنا أي غضاضة في أن نقف لكم عند دخولكم إلى الفصل، ولراجعنا أنفسنا أكثر من مرة قبل أن ندبدب بأقدامنا في حركة جماعية أول ما تديرون وجوهكم إلى السبورة

هناك ٩ تعليقات:

غير معرف يقول...

عارف يا محمد ألذ حاجة في كتابتك أيه
التلقائية
ورح الصبي المفارقة اللي بتكتب بيها ، فكرتني بمجموعتك القصصية ( لونه أزرق بطريقة محزنة ) بجد تحفة
:)

Lemonada يقول...

جميل جدا يا محمد
عارف حاجة انت انسان حساس جدا
والجميل انك لما تحس انك اخطاء في حد وعرفت بعد فترة انو يستاهل الشكر والتقدير
معندكش مشكلة
تعتذر وتشكر في كمان
بجد جميل جدا
عارف حاجة المدرسين سواء كانو في مدارس خصوصية او ازهرية هم مدرسين واساتذة بيتعبو
لازم نقدرهم
هو صحيح مش بنقدرهم الا بعد فوات الاوان
بس تقدير متأخرة احسن من عدم التقدير خالص
تحياتي لك

محمد صلاح العزب يقول...

ازيك يا هدير
عاملة ايه يا هدير
يا رب تكوني كويسة يا هدير
وألف شكر يا هدير
بس السؤال دلوقتي حضرتك هدير مين؟

محمد صلاح العزب يقول...

ازيك با ليمو
شكرا على كلامك الجميل
واوعدك اني هوصل صوتك للمدرسين

غير معرف يقول...

بتهرج يا ابو حميد
يعني مش عارف هدير مين ؟! طب عيني في عينك كده ، ع العموم مبروك على التعيين في الدستور
: )
برضه هدير

محمد صلاح العزب يقول...

الله يبارك فيكي يا هدير
بس كده انتي ضيقتي دايرة البحث جدا لدرجة اللي عارفين أخباري الشخصية
والمشكلة إن الدايرة دي عمر ما كان فيها حد اسمه هدير
أنا أصلا عمري ما عرفت واحدة اسمها هدير تحت أي مسمى
بالذات اسم هدير ده جديد عليا تماما

تــسنيـم يقول...

هو انت كمان كنت أزهري


بصرة يا عم

محمد صلاح العزب يقول...

بصرة ايه يا ست تسنيم
ده مصطلح كوتشيناوي
وبعض قتاوى الأزاهرة تحرم لعب الورق لما فيه من شبهة ميسر
يسر الله لنا ولك الحال
قولي يا رب

قلم جاف يقول...

كان من المذهل أن يتجاهل مخترعو مشروب الكادر الخاص معلمي الأزهر الذين هم أسوأ حالاً بكثير من مليونيرات الدروس الخصوصية في التعليم العام..

وعموماً لا يضيع حق وراءه متظاهر!..