صكوك في محلها
في نهاية العام المنصرم (يعني اللي فات) خرج علينا الحزب الوطني بمشروع "صكوك الملكية"، ورغم أن الملكية انتهت منذ ثورة يوليو (أو يوليه)، فإن هذا لم يمنع الحزب وتحديدا لجنة السياسات من طرح المشروع، ورغم أننا جمهورية ولسنا أهرام أو أخبار خرجت الفكرة بقرار فوقي علوي، وليس بقرار شعبي قومي.
في البداية لم يكن أحد يفهم شيئا، حتى الوزراء المختصين. ثم قالوا إن 41 مليونا من المصريين سيأخذون قيمة الصك، وهم الذين بلغوا سن 21 عاما، أما الباقين فسيضعون لهم قيمة الصك في صندوق أسود اسمه صندوق الأجيال، وصدر قرار بتعديل أغنية الحلم العربي لتصبح كلماتها: أجيال ورا أجيال هتعيش على صكنا.
المهم أنهم اختلفوا في قيمة الصك الذي سيأخذه المواطن، وهو يتراوح بين 200 و400 جنيه، واختلفوا في مكان أخذه، فمنهم من قال إن الصك لا يكون إلا على القفا، ومنهم من قال: الصك على الودان أمر من السحر، ومنهم من غنى: يا ليل الصك متى غده.. أقيام الساعة موعده. لكنهم اتفقوا جميعا على أن الحكومة تدس للشعب الصك في العسل، وقال أعضاء في حركة كفاية إن هذا القرار هو الذي سيقود الشعب إلى ثورة الصك.
المتشائمون قالوا إن توزيع الصكوك لن يكون عادلا، وطالبوا بفصل الإنتاج عن التوزيع، واستدلوا بالمثل العربي القديم: ما صك جلدك مثل ظفرك، ورب صك خير من ألف ميعاد، والصك خير قوم نتصاكك.. الصك خير، وطالبوا بتوزيع استطلاع رأي على المواطنين لمعرفة رأيهم في المشروع يكون سؤاله الأساسي: ضع علامة صك أمام العبارة الصكيكة، وعلامة غلط أمام العبارة التانية.
فجأة مات الكلام حول الصك، انسحبت الحكومة، وانقطع سيل المقالات التي تكلمت في الموضوع، وانشغل الناس، وكما يقول نجيب محفوظ: آفة حارتنا النسيان.
المصريون ينسون أو حلبة أو شاي بحليب. حليب الملايين، أو حليب العادلي، أو حليب الديب من ديله، يا فؤداي لا تسل أين الهوى، كان صكًّا من خيال فهوى، اختفت الصكوك وظهرت أنفلونزا الخنازير، ولهذا ربما توزع الحكومة خنزيرا صغيرا على كل مواطن بدلا من الصك، وتدفن باقي الخنازير في صندوق الأجيال.
المتفائلون يرون أن الصك قادم لا محالة، وأن الحكومة تحب الشعب، وتعمل لصالحه، ويرون ألا ننتقدها، بل نأخذها بالراحة، لأن الصك في الميت حرام.