السبت، ٩ أكتوبر ٢٠١٠


محمد صلاح العزب: أكتب بسرعة قبل أن ينتبه النقاد ويصوبوا بنادقهم ضدي

حوار: عناية جابر - جريدة السفير اللبنانية

محمد صلاح العزب روائي مصري (1981) له مجموعات قصصية منها:« لونه أزرق بطريقة محزنة» و« سرداب طويل يجبرك سقفهُ على الانحناء» الى روايات قوبلت بترحيب نقدي منها: «سرير الرجل الإيطالي» و« وقوف متكرّر» بالإضافة الى كتاب ينتمي الى الأدب الساخر: «كرسي قلاّب». نال العزب جوائز أدبية عدّة. جديده الروائي عن دار»الشروق» جاء تحت عنوان: «سيدي برّاني» يطرق فيه العزب عالماً روائياً جديداً على عمله السابق، حيث يمتزج هنا الواقع بالأسطورة، والتاريخ بالفانتازيا، والمدينة بالصحراء. عن جديده كان هذا الحديث.

** في جديدك الروائي: "سيدي برّاني" نلحظ افتراقاً عما تعودّنا قراءته لك، عوالم سحرية تشبه ألف ليلة وليلة والحكايات التراثية الموجودة لدى معظم الشعوب، ما الذي أخذك اليها؟

- حاولت أن أمارس اللعب مع ألف ليلة وليلة، مازالت هذه العوالم المغرقة في الخيال الجميل صالحة لإثارة الدهشة، بدأت هذا الخط الفانتازي في سرير الرجل الإيطالي ثم مددت الكتابة على استقامتها بهذه الطريقة في هذه الرواية، وللحق أنا مدين بكل هذه الزخم لجدي العزب وتحديدا لحظة وفاته، فقد اختار - هو الذي ولد وتربى وتزوج وأنجب في القاهرة - أن يعيش ثلث حياته في سيدي براني التي تبعد حوالي 10 ساعات عن العاصمة التي لم يكن يعرف غيرها، فكرت وهو على فراش الموت لماذا فعل هذا؟ وماذا كان سيحدث لو لم يفعل؟ ولماذا يهدر 30 عاما من عمره في تجربة كهذه؟ فأوحي لي وقتها أنه عاش حيوات مديدة وأنه رغم سنه الطاعنة مازال يجرب ويلهو. كما أن أهل سيدي براني المدينة يعيشون تاريخا أسطوريا لا يستطيع أحد منهم أن يجزم بحدوثه، حكايات كثيرة عن غائبين لا يعرف أحد كيف ولا أين غابوا، وعن أشخاص ظهروا فجأة ثم اختفوا فجأة، وعن صحراء تحمل أسرارا يزعمون معرفتهم بها وهم يوقنون أن السر أكبر من أن يحملونه، وكعادة كل المدن الصغيرة الواقعة على الحدود بين بلدين يتحول الجميع إلى عابرين، فليس مؤكدا أبدا أن ترى الشخص نفسه مرة أخرى، حتى لو كان هذا الشخص أقرب أقربائك.

** في إصداراتك الروائية السابقة مثل: "سرير الرجل الإيطالي" و "وقوف متكرّر" هناك الوحدة في التأليف الروائي رغم سرد تفاصيل يومية ومشاهد حياتية. في "سيدي برّاني" عالم شاسع من امتزاجات عدّة تطال أزمنة وأمكنة، كما التاريخ بالفانتازيا، والمدينة بالصحراء، إلى جانب تعدد الأصوات عبر صوت الراوي نفسه. هل هذا يعكس اختلاف رؤيتك لما يجب أن تكون عليه الرواية؟

- أشعر أني نضجت مع كتابة سيدي براني، فحين كتبت أول قصة قصيرة ونشرتها في إحدى الجرائد تخيلت أنني صرت كاتبا محترفا، وظل هذا الشعور معي بعد كتابة المجموعة الأولى والروايات الثلاث التالية، لكنني مع بداية العمل في سيدي براني أدركت أنني لم أصبح كاتبا محترفا بعد وربما لا أكونه أبدا، فأنا مازلت أتعلم وأجرب وأنجح وأخفق وتواجهني صعوبات حقيقية في الكتابة، وتستعصي علي كامرأة لا ترغب في الرجال، غادرني اليقين بأن الأمر قد انتهى، وحل مكانه شك فني في كل شيء، شعرت أنني نضجت لأنني صرت قادرا على إدراك صعوبة الأمر، وكنت قبل هذا أظن الكتابة سهلة، اختلفت رؤيتي للكتابة وللرواية من حيث عدة أشياء: البناء، واللغة، والعلاقة مع القارئ، والتعامل العنيف والسلطوي مع المسودة، والحرب المستمرة بين الكاتب ونصه حتى يسيطر أحدهما على الآخر أو يصلا إلى مرحلة سلام، أدركت الصعوبة المطلقة في نقل الحياة إلى أوراق الكتابة دون أن تفقد بريقها بل بالعكس لابد أن يتضاعف هذا البريق كثيرا. النضج الذي أصابني جعلني أتمنى ألا أصير كاتبا محترفا في يوم من الأيام، لأنه جعلني أدرك أن الشك مهما كان أجمل من اليقين.

** يستدعي هذا النوع من السرد، الكثير من الخبرة، والمكنة في القبض على اهتمام القارئ. إلى أيّ حدّ كان انتباهك في عملية سرد حياة، متبوعة بسرد عن حياة أخرى؟ وهل وجدت صعوبة في توليف السرد على سويته؟

- عمر كتابة سيدي براني 7 سنوات كاملة، كانت في البداية بنصف حجمها الحالي، ثم ما يقرب من ضعفه، حتى آلت إلى ما نشرت عليه، تعاملت معها أحيانا كلوحة تشكيلية تجريدية يمكن خلط ألوانها دون نظام، وأحيانا كقطع "بازل" على القارئ أن يعيد ترتيبها حتى يحصل على الشكل النهائي فيشعر بلذة التكوين، وأحيانا ككائن حي مكون من أعضاء لا يمكن تغيير مكان أحدها، أعدت كتابتها حوالي 13 مرة بعدد حيوات الجد، كما أنني أطلعت عددا كبيرا من أصدقائي على المسودات المختلفة وسمعت ملاحظاتهم عليها واستجبت إلى ما شعرت أنه يفيد النص منها، فإذا شعر القارئ بهذه الخبرة والمكنة فسيقول: هذا كاتب جيد، وإذا شعر بغير هذا فيمكنني وقتها أن أعطيه أسماء وتليفونات وإيميلات أصدقائي الذين قرأوا المخطوطة وهو وقتها حر في التصرف معهم.

** تقترب في روايتك مما يُدعى فن التعرية والتجريد إلى حدّ الهذيان، وفيها إرهاصاتك عن الحياة الحديثة التي لوثت براءة الحياة نفسها. إلى أيّ صوت تميل أنت ككاتب، من أصوات روايتك: الجّد أم الحفيد؟

- - أنا ابن واحدة من أكثر عواصم العالم صخبا وزحاما وتلوثا وضوضاء، لم أغادر القاهرة في حياتي كلها لأكثر من سبعة أو ثمانية أشهر متفرقة، وأحبها كما هي، ويمكنني رصد جمالياتها وسط هذا الزحام والصخب، بل إنني أشعر بجماليات هذا الصخب نفسه، بخلاف المبدعين الوافدين عليها الذين يتفننون في سب المباني العالية ونعتها بأنها كتل أسمنتية لا روح فيها ولا جمال، القاهرة بالنسبة لي سحر خالص، وليس مطلوبا من السحر إلا أن يكون مؤثرا ونافذا وناجعا، وهي تفعل هذا بمهارة سياسي محنك وبنعومة فتاة في العشرينيات من عمرها، كل التغيرات التي تحدث في المدينة الخالدة فنية وموحية، مهما رآها الناظر من بعيد مجافية للجمال، كل ما هنا فني، البشر الذين يقفون على الحافة بين الصمود والانهيار، والمباني التي يحمل كل حجر منها بداخله قصة بديعة، الشوارع والميادين، حتى الهواء الذي يحمل من عوادم السيارات أكثر مما يحمل من الأكسجين، الأجيال الأكبر مني يتحسرون على ماضي المدينة التي كانت جميلة ولم تعد كذلك وأشياء من هذا القبيل، لكن بالنسبة لي فأنا أرى أن دوري هو تفجير الجمال من وسط كل هذا الزحام، أنا محب وأرى أن هذا واجبي، وأمارسه بمنتهى الاستمتاع. ولو خيرت بين حياتي بهذه الصورة والحياة البدائية بما فيها من بكارة وطبيعية فلن أسارع إلى اختيار البدائية، سأفكر طويلا ولا أعرف قراري وقتها، لكل حياة جمالها الخاص وإنسانية الإنسان تكمن في قدرته على إزاحة القبح حتى يستكشف الجمال الكامن خلفه، وهذه هي النقطة المشتركة بين الجد والحفيد والتي اشتغلت عليها، فالجد في كل حيواته كان يختار ما يحب أن يكونه ويسعى إليه مهما كانت الصعوبات التي تواجهه، ويصنع حكايته بنفسه دون أن ينتظر من يصنعها له، والحفيد انتهى إلى أنه ليس أسيرا لأحد وأنه صاحب قراره ومسئول عنه وحده، احتاج هذا منه وقتا وتأملا في حكايات كثيرة متشعبة، وإلى ظهور الحب المستحيل في حياته متمثلا في مريم التي بدت كسراب جعله يشك في حقيقة وجودها، وحين أخذ قراره بأن يكون نفسه تجمعت كل الخيوط لتصنع هذه الحكاية الممتدة المكونة من طبقات كثيرة من الحكايات.

- - بعد مجموعتك القصصية الأولي (لونه أزرق بطريقة محزنة) نشرت أربعة روايات وتستعد للخامسة، هل يعني هذا أنك قد لا تعود لكتابة القصة القصيرة مرة أخري؟

- بالعكس، انتهيت تقريبا من كتابة مجموعة قصصية، لكنني لا أفكر في نشرها الآن حتى لا تٌُظلم بين روايتين، كما أنني أري أن الرواية كشكل أدبي مناسب لما أود حكايته من أحداث بامتداد زمني وشخصيات متعددة، وبدأت بالقصة القصيرة لأنني شعرت أنها كانت مناسبة لي في البداية، ثم اتجهت إلى كتابة الرواية لسبب مهم بالنسبة لي، وهو أن القصة القصيرة تقوم على فكرة تقديس اللحظة أو الموقف، لكن الرواية تتعامل مع هذه اللحظة أو الموقف بشكل عابر لتخلق عالما متكاملا، وأنا أرى أن هذا مناسب لهذا العصر الذي يرفض إلى حد كبير فكرة التقديس ويعبر سريعا فوق التفاصيل، وأرى أيضا أن هذا كان تفاعلا مشتركا بين الروائيين والعالم، وأنهم أثروا فيه فنيا وإبداعيا بقدر ما أثر هو فيهم بتغيراته المتلاحقة وظروفه الصعبة، واتجاه العالم قراءة وكتابة إلى الرواية حاليا يُكذّب ما كان يقال منذ عقد أو عقدين تقريبا من أن القصة القصيرة مناسبة أكثر لإيقاع العصر السريع، لأن القارئ يستطيع "خطف" قصة قصيرة في الأوقات القليلة المتاحة بين انشغالين، القارئ الآن لا يريد لقطة عابرة، بل يريد حياة كاملة مليئة باللقطات الواردة في سياقها دون انتزاعها منه. وعموما مازلت أكتب القصة القصيرة لكنني في انتظار ظروف مناسبة للنشر.

- ما تأثير ممارستك للعمل الصحفي علي كتابتك الإبداعية، خصوصا أن هناك فرقا كبيرا بين لغتك الصحفية في المقالات ولغتك الروائية، وكيف تنظر إلى اللغة؟

- العمل الصحفي ليس له تأثير معين علي الإبداع لا في اللغة ولا في المضمون، تأثيره فقط علي عدم وجود متسع من الوقت للقراءة والكتابة، وإذا عملت في أي وظيفة أخري سيكون لها نفس التأثير، وأحاول أن يكون بداخلي مؤشر يمكن ضبطه علي نوع الكتابة صحافة أم إبداعاً وهناك كثير من المبدعين صحفيون ناجحون. أما اللغة فأنا أرفض التعامل معها على أنها مجرد وسيلة أو موصل، وأرى أن الاهتمام باللغة من أهم الأسباب التي تفرق بين مبدع وآخر، اللغة هي اللون والطعم والرائحة، ودون لغة جميلة يخرج العمل ناقصا ومشوها ومنفرا، لكن المشكلة أن شريحة كبيرة من القراء حاليا فقدوا متعة التذوق باللغة الجميلة وصاروا يفضلون من يأخذهم من أيديهم ويوصلهم إلى الفكرة أو الموضوع، وللأسف استجاب لهم عدد كبير من الكتاب، لكن أرى أن دور الكتاب الحقيقيين هو استعادة هذه اللغة الفنية التي تميز الأدب عن نداءات الباعة الجائلين.

** كيف تكتب وهل لك طقوس معينة، على تقطّع ؟ دفعة واحدة؟ وهل تتأثر بالنقد عموماً، سلباً وإيجابا؟

- أصبحت الآن أكتب على الكومبيوتر مباشرة، كان هذا تحديا لي وصلت إليه تدريجيا، حين أقنعت نفسي أن حميمية الورق والأقلام مجرد خدعة كملايين الخدع في حياتنا ينبغي تجاوزها، لا أحب المكتب، أتجنبه وأكتب على أي منضدة، وربما وأنا مضطجع، أبدأ بالقراءة لأهيئ نفسي ثم أكتب، لا يهم أن أبدأ من البداية، ربما أبدأ من المنتصف، أو من النهاية، ثم أعيد الترتيب، أكتب النص الواحد أكثر من 10 مرات، ولو كتبته مائة مرة لاختلف في كل مرة، ودائما أشعر ان هناك أفضل من هذا، لكنني حين أقرأ ما كتبته أنفصل عنه، وأتذوقه كقارئ وليس ككاتب، وغالبا ما يمتعني، فأقول: من يشهد للكاتب؟ وحين أنقسم إلى اثنين: قارئ وكاتب، يكون رأيي كقارئ أنني كاتب لا بأس به، وأستمتع بما كتبت، وتظل لي ملاحظات فادحة على كتابتي لا يمكنني الجهر بها، لكن من الذي يملك الوصول للكمال؟
أما النقاد فغالبا لديهم اهتمامات أخرى غير متابعة ما يكتب ولهذا فأنا متأثر بموقفهم هذا وأكتب كثيرا قبل أن ينتبهوا إليّ فيصوبون بنادقهم ضدي.

هناك تعليق واحد:

محمود مودى يقول...

لا أحب استخدام الألفاظ المباشرة أو الصريحة في وصف الجنس، ورغم ذلك تتعرض رواياتي للكثير من الهجوم بسبب أن البعض يراها روايات جنسية أو بذيئة. لست ضد استخدام الألفاظ الصريحة، لكني لا أحب استخدامها، ولا أحتاج لها

عزيزي كلماتك السابقة توحي أنه بإمكانك إستخدام الألفاظ الصريحة .. ولكن ذلك غير صحيح إذ يتثنى أن ترتدى نقابا أولا وتتخفى عمن يعرفونك ومن ثم يمكنك أن تكتب ذلك .. نحن في مجتمع يعانى من حالة فصام على كافة المستويات ومن بينها الجنس .. إننا نستمتع بقراءته كتابيا مثلا لكننا نخجل من التصريح بذلك
البورنوغرافيا نوع من الكتابة مفقود تماما لدينا .. رغم أننى أرى أنه يمكن توظيفه روائيا فلا يقتصر على الإثارة الجنسية فحسب , بل يمكن أن يحمل فى طياته فكرة وهدف يفيد القارئ
تحياتى وتقديرى لكتاباتك
د. محمود مودي
www.moodyerosia.blogspot.com